حالة من الجدل فجّرها علماء من مختبر سيرن الأوروبي قرب جنيف، حين زعموا قبل أيام عدة أنهم قاموا بتسجيل جزيئات تفوق في سرعتها سرعة الضوء. حيث أوضحوا أنهم لاحظوا جزيئات صغيرة تعرف بـ "نيوترونات" تسير أسرع قليلاً من الضوء.
هذا الإدعاء، إن ثبتت صحته، لن يكون متسقاً مع نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين، التي تعتبر حجر الزاوية في الفيزياء الحديثة، والتي تنص على أنه لا يوجد ثمة شيء يمكنه أن يسير بشكل أسرع من الضوء.
وبعد توصل الباحثين في مختبر سيرن لتلك النتائج، تملكتهم حالة من الدهشة والاستغراب، لدرجة إنهم قضوا أشهرًا عدة في فحص بياناتهم، من دون أن يجدوا أي أخطاء من شأنها تفنيد مزاعمهم، ووجهوا الدعوة بحذر إلى باقي العلماء حول العالم كي يثبتوا لهم خطأ نتائجهم.
من جهتهم، أكد يوم أمس علماء يعملون في مشروع يعرف بـ "OPERA" أنه من الضروري فحص النتائج قبل التوصل إلى أي استنتاجات بشأن فهمنا للكون.
ونقلت في هذا السياق صحيفة الدايلي تلغراف البريطانية عن البروفيسور جيم الخليلي، أستاذ الفيزياء في جامعة ساري، قوله: "يحق للعلماء أن يكونوا حذرين للغاية في ما يتعلق بتفسير تلك النتائج. فإذا كانت النيوترونات قد خرقت سرعة الضوء، فإن ذلك سيمثل نقضاً لواحدة من أبرز النظريات الفيزيائية خلال القرن الماضي.
وهذا أمر وارد، لكن من المحتمل أن يكون هناك خطأً في البيانات. وإذا ثبتت صحة تجربة سيرن، وتجاوزت النيوترونات سرعة الضوء، فسأتناول سروالي خلال بثّ مباشر على التلفاز".
كما عبَّر البروفيسور ستيفن هوكينغ، أشهر عالم فيزياء في العالم، عن شكوكه، وأوردت عنه الصحيفة، قوله: "مازال من المبكر التعليق على أمر كهذا. ومازالت هناك حاجة إلى إجراء مزيد من التجارب والتوضيحات".
بينما أوضح باحثون آخرون أنه وفي الوقت الذي ينتظر أن يتم التحقق فيه من دقة تلك التجربة الحديثة، فإن تأثيرها على فهمنا للعلم والعالم من حولنا قد يكون غير مسبوق تقريباً.
وقال بريان كوكس، عالم فيزياء ومذيع تلفزيوني: "إذا تم تأكيد تلك النتيجة، فإنها ستكون أهم اكتشاف في عالم الفيزياء خلال المائة عام الماضية على الأقل". واتهم دكتور جون كوستيلا، عالم الفيزياء المقيم في أستراليا، الباحثين بارتكاب "زلة مربكة" في حساباتهم.
في الإطار نفسه، أكد فرانك كلوز، أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة أكسفورد والزميل الفخري في كلية اكستر، في مقال نشر له في صحيفة الغارديان البريطانية، على ضرورة الالتزام بالحذر قبل التخلي عن نظرية النسبية والاستعداد للسفر عبر الزمن.
وأشار في السياق عينه كذلك إلى أنه نشأ كعالم يعتقد بقانون الطبيعة، الذي يقول إن الشيء الوحيد الذي يسافر بشكل أسرع من الضوء هو الشائعة. وتابع حديثه بالقول: "وأنا أظن أن النتيجة التي توصل إليها الباحثون أخيراً في مختبر سيرن لا تعدو كونها شائعة. لكن على افتراض أنه سيتم إثبات صحة هذا الإدعاء، فإن فهمنا للحياة والكون وكل شيء سيتغير. وإذا تبين أن هناك جزيئات بالفعل تسير بسرعة تفوق سرعة الضوء، ويمكنها حمل معلومات، فإن أمر كهذا سيغير كل شيء".
بعد إسهابه في الحديث عن نظرية اينشتاين، وما بذله الباحثون في سيرن من جهود بشأن نتائجهم الأخيرة، عاود كلوز ليقول: "إذا كان بمقدورك إرسال شعاع من الضوء عبر الأرض، فيجب أن يصل في اللحظة نفسها مثل النيوترونات – إذا كانت تسير النيوترونات بسرعة الضوء أو بصورة أبطأ – حيث سيتطلب ذلك أن تسير النيوترونات بصورة أسرع من الضوء.
وإذا تمكَّنا من إجراء تلك التجربة، فإن الأمور ستتضح. والمشكلة هي أننا غير قادرين على القيام بتلك التجربة. ويمكن القول أيضاً إن الأرض شفافة بالنسبة إلى النيوترونات، لكنها معتمة بالنسبة إلى الضوء.
وملخص الحديث هو أن الطبيعة تعرف في نهاية المطاف حقيقة الأجوبة التي تشغل بالنا في هذا الخصوص، ونحن مطالبون بأن نعثر على تلك الأجوبة من خلال التجارب".